سورة طه - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى(22)}
اليد معروفة، والجناح للطائر، ويقابله في الإنسان الذراع بداية من العَضُد، والحق سبحانه حينما أوصانا بالوالدين قال: {واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحمة} [الإسراء: 24] يعني: تواضع لهما، ولا تتعالَ عليهما.
وفي موضع آخر قال تعالى: {اسلك يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء} [القصص: 32].
والجَيْب: طَوْق القميص، سُمِّي جَيْباً؛ لأنهم كانوا في الماضي يجعلون الجيب الذي يضعون به النقود أو خلافه في داخل الثوب، ليكون بعيداً عن يد السارق، فإذا ما احتاج الإنسان شيئاً في جَيْبه يُدخِل يده من طَوْق القميص ليصل إلى الجيْب فسُمِّي الطوق جيباً. وهذا من مظاهر التكامل بين الآيات.
والمعنى هنا: اضمم كف يدك اليمنى، وأدْخله من طَوْق قميصك إلى تحت عَضُدك الأيسر {تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سواء} [طه: 22] أي: ساعة أنْ تُخرِج يدك تجدها بيضاء، لها ضوء ولمعان وبريق وشعاع.
ومعلوم أن موسى عليه السلام كان أسمر اللون، كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم حينما طُلِب منه أنْ يَصف الرسل الذين لقيهم في رحلة الإسراء والمعراج، فقال: (أما موسى، فرجل آدم طُوَال، كأنه من رجال أزدشنوءة....).
أي: أسمر شديد الطول؛ لان طُوَال يعني: أكثر طولاً من الطويل.
ومن هنا كان بياضُ اليد ونورها في سُمْرة لونه آيةً من آيات الله، ولو كان موسى أبيض اللون ما ظهر بياضُ يده.
وقوله: {مِنْ غَيْرِ سواء} [طه: 22] أي: من غير مرض، فقد يكون البياض في السُّمرة مرضاً والعياذ بالله كالبرص مثلاً. فنفى عنه ذلك.
وقوله تعالى: {آيَةً أخرى} [طه: 22] أي: معجزة، لكنه لم يقُلْ شيئاً عن الآية الأولى، فدلَّ ذلك على أن العصا كانت الآية الأولى، واليد الآية الأخرى.
ثم يقول الحق سبحانه: {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الكبرى}


{لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى(23)}
أي: نُريك الآيات العجيبة عندنا؛ لتكون مقدمة لك، فحين نأمرك بشيء من هذا القبيل فاعلم أن الذي يأمرك ربُّ لن يغشَّك، ولن يتخلى عنك، وسوف يُؤيدك وينصرك، فلا ترتَعْ ولا تخف أو تتراجع.
وكأن الحق تبارك وتعالى يُعِدُّ نبيه موسى للقاء مرتقب مع عدوه فرعون الذي ادعى الألوهية.
ثم بعد هذه الشحنة والتجربة العملية يقول له: {اذهب إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغى}


{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(24)}
فلماذا أرسله إلى فرعون أولاً، ولم يرسله إلى قومه؟ قالوا: لأن فرعون فعل فعلاً فظيعاً، حيث ادعى الألوهية، وهي القمة في الاعتداء، ثم استعبد بني إسرائيل، فلابد أن نُصفِّي الموقف أولاً مع فرعون.
لذلك حدثت معجزة العصا في ثلاثة مواقف.
الأول: وكان لِدُرْبة موسى ورياضته على هذه العملية، وكانت هذه المرة بين موسى وربه عز وجل تدريباً، حتى إذا أتى وقت مزاولتها أمام فرعون لم يتهيِّب منها أو يتراجع، بل باشرها بقلب ثابت واثق.
والثاني: كان مع فرعون بمفرده ترويعاً له.
والثالث: مع السَّحَرة تجميعاً.
فكُلُّ موقف من هذه المواقف كان لحكمة وله دور، وليس في المسألة تكرار كما يدَّعي البعض.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ طغى} [طه: 24] الطغيان: مجاوزة الحدّ، ومجاوزة الحدِّ يكون بأخْذ ما ليس لك والمبالغة في ذلك، وليْتَه أخذ من المساوي له من العباد، إنما أخذ ما ليس له من صفات الله عز وجل.
ولما سمع موسى اسم فرعون، تذكَّر ما كان من أمره في مصر، وأنه تربَّى في بيت هذا الفرعون الذي ادَّعى الألوهية، فكيف سيواجهه.
كما تذكَّر قصة الرجل الذي وكَزه فقتله، ثم خرج منها خائفاً يترقب، فلما شعر موسى أن العبء ثقيل قال: {قَالَ رَبِّ اشرح لِي صَدْرِي}

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11